استدامة الشركات.. من المناخ إلى الاقتصاد
ولهذا ليس مستغربًا أن تكون الاستدامة واحدة من أكثر القضايا أهمية وإلحاحًا في عالمنا المعاصر، ونظرًا لأننا نواجه كارثة مناخية يبحث الكثير من المستهليكن عن طرق يمكن من خلالها تقليل التأثير السلبي في البيئة.ومع ذلك فإن إحداث فرق واستخدام تكتيكات الاستدامة لا يقتصر فقط على الأفراد المهتمين بالبيئة، وإنما يجب على الشركات أيضًا إعطاء الأولوية لحماية كوكب الأرض وضمان سلامة موارده.
يمكن تعريف استدامة الشركات على أنها الاستراتيجية التي من خلالها تقدم الشركة سلعها وخدماتها بطريقة مستدامة بيئيًا وتدعم في الوقت نفسه نموها الاقتصادي. تعطي استدامة الشركات الأولوية للنمو طويل الأجل؛ من خلال الأساليب المستدامة بدلًا من التركيز على المكاسب المالية قصيرة الأجل.
من خلال تنفيذ استراتيجية استدامة الشركات يجب أن تلتزم الشركة باستخدام الموارد الطبيعية بطريقة مسؤولة، والاستثمار من أجل رفاهية الكوكب على المدى الطويل، وضمان معاملة جميع الأشخاص المشاركين في عملية المشروع معاملة عادلة.
ولعله واضح من تلقاء نفسه كون فكرة استدامة الشركات ولدت من مفهوم التنمية المستدامة، وهو التنمية التي تلبي الاحتياجات الحالية اليوم دون المساس بأي موارد طبيعية تعتمد عليها الأجيال القادمة.
إذا وسّعنا منظورنا ونظرنا إلى كوكب الأرض ككل فسنجد أن هناك العديد من القضايا البيئية التي يجب التغلب عليها حتى نتمكن من حماية أنفسنا ومنازلنا ومواردنا والحفاظ عليها آمنة للأجيال القادمة.
يمكن تحقيق هذا الهدف عبر أداء كل شخص لدوره؛ إذ يمكن للجهود الجماعية للأفراد والشركات في جميع أنحاء العالم تقليل التهديدات الضارة وإطالة عمر الأرض.
يقر مفهوم الاستدامة بأن موارد الأرض محدودة، ويهدف إلى التغلب على الإفراط في استخدام الموارد المتاحة؛ وذلك من خلال الجهود الجماعية للوعي البيئي، وبذلك سيكون بإمكاننا الحفاظ على الموارد للأجيال القادمة.
مع تزايد الوعي بالاستدامة فإن الأعمال المستدامة جذابة بشكل خاص للمستثمرين المحتملين. من خلال دمج العناصر المستدامة في استراتيجية مشروعك ستتمكن من جذب مستثمرين جدد لتمويل مشاريعك التجارية.
كما أصبح الاستثمار المؤثر أكثر ذيوعًا بشكل مطرد. هذه الاستثمارات ذات التأثير هي تلك التي يتم إجراؤها مع مراعاة التأثير البيئي الإيجابي، جنبًا إلى جنب الاستثمار لتحقيق مكاسب مالية.
مع وضع ذلك في الاعتبار من المنطقي أن السعي وراء ترك تأثير اجتماعي وبيئي إيجابي سيؤدي بدوره إلى زيادة فرص الاستثمار داخل عملك ودفع نموك الاقتصادي. وتلك هي أجلى أهمية لفكرة استدامة الشركات.
وقد كشفت دراسة استقصائية حديثة عن أن 75% من جيل الألفية يرغبون في إنفاق المزيد على منتج ما إذا كان مستدامًا بيئيًا، كما وجدت الدراسة نفسها أن 77% من الأمريكيين قلقون بشأن التأثير البيئي لمنتجاتهم.
لا يقتصر أمر استدامة الشركات على هذا فحسب، وإنما توفر الاستدامة غرضًا أكبر وبعض الإنجازات الجديدة للشركات التي تسعى جاهدة من أجلها وتساعدها في تجديد التزاماتها بالأهداف الأساسية مثل: الكفاءة والنمو المستدام وقيمة المساهمين.
ناهيك عن كون استراتيجية الاستدامة يمكن أن تقدم فوائد يصعب تحديدها كميًا مثل زيادة العملاء وتحسين الصورة العامة.
لا شك إذًا أن دمج الاستدامة يمكن أن يساعد الشركة في الحصول على الكثير من المكاسب الاقتصادية وغير الاقتصادية كثيرًا.
لكن يتعين علينا قبل أن ننهي حديثنا هذا الإشارة إلى العلاقة بين استدامة الشركات والمسؤولية الاجتماعية للشركات، ولا شك أن كلاهما مصطلح طنان ذائع الصيت، وكلاهما متعلق بأخلاقيات الأعمال.
ولكن على الرغم من أنهما متشابهان إلا أن المصطلحين مختلفان تمامًا في الواقع؛ إذ تندرج استدامة المؤسسات تحت مصطلح المسؤولية الاجتماعية للشركات.
وبهذا المعنى فإن استدامة المؤسسات تعني الاستراتيجية أو الخطة التي يتم تنفيذها من أجل تحقيق أهداف العمل بطريقة صديقة للبيئة، فإن المسؤولية الاجتماعية للشركات هي مصطلح أوسع.
كما أن المسؤولية الاجتماعية للشركات هي نوع من أساليب التنظيم الذاتي في خطط الأعمال؛ لضمان بذل جميع الجهود لترك تأثير إيجابي من خلال أنشطتها.