اموال مصرفية

6 عملات شرق أوسطية مرشحة للتأرجح مجدداً في 2023

شغل الجنيه المصري أم الدنيا على مدار العام الماضي، فيما كانت الليرة التركية “كرة نار” سياسية واقتصادية بالنسبة إلى الرئيس رجب طيب أردوغان، ومثّلت نظيرتها اللبنانية طَبَقاً يومياً لأحاديث المواطنين في بيروت، ليُضاف مؤخراً الدينار العراقي إلى سلّة عملات المنطقة المتأرجحة، ملقياً بظلاله على عملتي سوريا وإيران اللتين يعتمد استقرارهما على تسرُّب الدولار من دول الجوار.

تفاقُم التضخم، ورفع الفائدة الأميركية، واستمرار الاضطرابات الجيوسياسية، والتحديات الاقتصادية الهيكلية، ترجّح أن تشهد العملات التي تميّزت بالتذبذب العام الماضي مزيداً من التحرّكات في 2023.

الجنيه المصري كان من أسوأ عملات العالم أداءً العام الماضي. وحسب “بلومبرغ”، تكشف المؤشرات التي تقيس تقلُّب العملة تاريخياً للمدى القصير أن تأرجح الجنيه هو الأكثر تطرّفاً على مستوى العالم.

انخفض سعر العملة المصرية على 3 مراحل خلال الأشهُر العشرة الأخيرة، أولها في مارس من 15.7 إلى 18.2 جنيهاً مقابل الدولار. وثانيها في أكتوبر، إذ وصل إلى 23 جنيهاً للدولار، مع إعلان البنك المركزي أنه سينتهج سياسة مرنة تجاه سعر الصرف، في خطوةٍ كانت ضرورية لحصول البلاد على قرض بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي. وثالثها مطلع يناير الحالي، التي هبط معها الجنيه إلى مستوى قياسي تجاوز 32 لكل دولار، قبل أن يستقر عند حدود 29 جنيهاً.

تعاني مصر شحّاً بالعملة الأجنبية منذ اندلاع الأزمة الروسية-الأوكرانية في فبراير، ورفع أسعار الفائدة الأميركية على مدار 2022، ما أدّى إلى خروج أكثر من 22 مليار دولار من الأموال الساخنة الأجنبية المستثمرة بأدوات الدَّين.

البنك المركزي المصري أعلن في ديسمبر أنه رصد 4 ممارسات غير مشروعة في سوق النقد الأجنبي، تتمثل باستخدام بطاقات الائتمان في الخارج، وتداول سلع داخل السوق المحلية بالعملة الصعبة، فضلاً عن مخالفات مرتبطة بتحويل الأموال من المصريين في الخارج عبر قنوات غير مصرّح بها. أمّا رابع التجاوزات فتمثل في تأسيس البعض لشركات ذات طبيعة خاصة خارج البلاد، لا سيما في نشاط الوساطة في مجالي التصدير والسياحة، بهدف الاحتفاظ بالنقد الأجنبي خارج السوق المصرية.

ويتوقّع “دويتشه بنك” أن تنخفض قيمة العملة المصرية بنحو 10% إلى مستوى 33 جنيهاً أمام الدولار قبل أن تستقر.

الليرة التركية.. والانتخابات

منذ سبتمبر 2021 انخفض سعر صرف العملة التركية من 8.3 ليرة مقابل الدولار إلى 18.7 حالياً. وتُعَدّ العملة الأسوأ أداء في الأسواق الناشئة، باستثناء البيزو الأرجنتيني، بعد انخفاضها 28.5% مقابل الدولار منذ مطلع العام الماضي.

تحدّت السلطات التركية الأعراف الاقتصادية بتجنُّبها رفع أسعار الفائدة لمجابهة التضخم، والاعتماد على أدوات بديلة، بما في ذلك التدخل بسعر الصرف والسياسات النقدية التي تعزز الاستخدام الأوسع لليرة.

لتحقيق استقرار الأسعار، بعد وصول التضخم في البلاد إلى أعلى مستوى منذ ربع قرن، تعهد المسؤولون بتنفيذ “استراتيجية حيازة الليرة” الخاصة بهم، وهي مجموعة من الإجراءات التي تعزز الاستخدام الأوسع للعملة التركية.

يجعل تقريب موعد الانتخابات الرئاسية إلى مايو الانتصار على التضخم أمراً ملحّاً بالنسبة إلى الرئيس رجب طيب أردوغان، ما يوحي بإمكانية اتخاذ إجراءات غير تقليدية على جانب العملة، لتحقيق تباطؤ دراماتيكي في التضخم إلى حدود 20% بنهاية العام.

لكن بالمقابل يدفع مستثمرو العملات أعلى علاوة في 4 أشهُر للتحوّط ضد مزيد من تراجع الليرة التركية. واتسع الفارق بين عقود الخيارات لأجل 6 أشهُر (المعروف بـ”دلتا 25″ لعكس المخاطر) لبيع الليرة أمام الدولار، مقابل شراء العملة التركية، إلى 13 نقطة مئوية هذا الأسبوع، بما يُعَدّ أكبر علاوة تحوّط بين عملات الأسواق الناشئة الرئيسية، وهو اللقب الذي استأثر به الروبل الروسي سابقاً.

الليرة اللبنانية رهينة السياسة

كانت الليرة الضحية الأولى للانهيار المالي والاقتصادي الذي يعانيه لبنان على مدى السنوات الثلاث الأخيرة، عندما تحوّلت عقود من سوء الإدارة والفساد إلى أزمة مصرفية وديون وعملات متزامنة. انكمش الاقتصاد اللبناني 60%، وفقدت الليرة أكثر من 97% من قيمتها منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في أكتوبر 2019 بسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية وامتناع المصارف عن إعطاء المودعين أموالهم بالدولار.

انهار سعر صرف العملة اللبنانية من 1500 ليرة مقابل الدولار بنهاية 2019 إلى أكثر من 57000 حالياً في السوق السوداء اليوم الخميس، منخفضةً بأكثر من 25% هذا الأسبوع فحسب.

وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، يواجه نحو مليوني شخص في لبنان، منهم 1.29 مليون مواطن لبناني، و700 ألف لاجئ سوري، انعداماً بالأمن الغذائي في الوقت الراهن، كما توقّعت تدهور الوضع خلال الأشهر المقبلة، نظراً إلى انخفاض قيمة العملة اللبنانية، وإلغاء الدعم، وارتفاع تكاليف المعيشة، ما يمنع الأُسر من الحصول على ما يكفي من الطعام والاحتياجات الأساسية اليومية.

من غير المرتقب أن تشهد الليرة اللبنانية تحسناً هذا العام، بل الأرجح أن تتعرّض لمزيد من الهبوط، وبشكلٍ حادّ ومتسارع، في ظلّ الأزمة السياسية التي تعانيها البلاد، وفي مقدّمها عدم الاتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بالإضافة إلى التباطؤ بالسير في الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي.

تمثل تحويلات المغتربين، التي تناهز 6.8 مليار دولار سنوياً، المصدر الأول للعملة الصعبة بالنسبة إلى الاقتصاد اللبناني، تليها إيرادات السياحة التي أدخلت إلى البلاد 6.6 مليار دولار العام الماضي. لكن معظم هذه الأموال لا تدخل القطاع المصرفي، “بسبب عدم الثقة”، كما قال الخبير الاقتصادي وليد بو سليمان لـ”اقتصاد الشرق”، وبالتالي فإن الدور الذي يمكن أن تلعبه على صعيد استقرار سعر الليرة يبدو شبه معدوم.

كانت دول المنطقة النفطية، لا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، بمنأى عن موجة التضخم التي عصفت بمعظم أسواق العالم. كما لم تتعرض عملاتها لأي ضغوط للحفاظ على ترابطها بالدولار، بفضل إيرادات النفط المرتفعة، بما أسهم بتحقيق فوائض مالية في ميزانيات معظمها للمرّة الأولى منذ نحو عقد.

لكن العراق غرّد خارج السرب، رغم أن عائدات البلاد من صادرات النفط قفزت 53% العام الماضي عن 2021، لتتجاوز 115 مليار دولار. فشهدت أسعار المواد الغذائية في البلاد ارتفاعاً بأكثر من 50% منذ بداية العام، ويعود ذلك بشكلٍ أساسي إلى الهبوط السريع لسعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار، إذ هبط بأكثر من 12% خلال شهر يناير الحالي.

وفقاً لعدّة مواقع إنترنت عراقية تتابع السوق السوداء، بلغ سعر الصرف المتداول، مطلع الأسبوع، 1600 دينار للدولار، مقابل 1460 ديناراً للسعر الرسمي.

الليرة السورية والريال الإيراني

شحّ الدولار في السوق العراقية تعزوه حكومة البلاد والسلطات الأميركية إلى عمليات تهريب الدولار إلى دول الجوار، لا سيما إيران وسوريا، ما استدعى إنشاء منصة مشتركة بين البنك المركزي العراقي والاحتياطي الفيدرالي الأميركي لمراقبة وضبط المعاملات الدولية للدولار من قِبل البنوك التجارية العراقية، في خطوةٍ للحد من غسل الأموال وتسريب الدولارات إلى دول المنطقة الخاضعة لعقوبات.

يستدلّ البعض على هذا الترابط بالإشارة إلى أنه بعد التشديد الأميركي على الدولار الخارج من العراق، بدأت عملتا إيران وسوريا بفقدان قيمتهما بشكلٍ أكبر، وذلك لاعتمادهما على الدولار الصادر من العراق. فحسب المواقع التي ترصد سعر الصرف في كل من البلدين، هبط الريال الإيراني منذ السبت إلى أدنى مستوى على الإطلاق مسجلاً 447 ألف ريال مقابل الدولار في السوق السوداء، فيما عاودت الليرة السورية وتيرة الهبوط الحادّ ليبلغ سعر الصرف، يوم الخميس، أكثر من 6700 ليرة مقابل الدولار، مقترباً بذلك من المستوى القياسي عند 7000 ليرة لكل دولار.

تستدعي عودة الاستقرار لسعر الصرف في العراق “التزام الضوابط الدولية لمنع غسل الأموال وتهريب العملة عبر الفواتير الوهمية، وتطوير النظام المصرفي، وزيادة التعامل الإلكتروني، وسحب الكتلة النقدية الهائلة من السوق لمنع المضاربات من قِبل التجار”، وفقاً للباحث الاقتصادي صالح لفتة.

هذا الملف يشكّل الهاجس الأول لمحافظ البنك المركزي العراقي المُكلَّف علي العلاق، باعتبار أنه كان السبب الأساسي لإقالة سلفه مصطفى مخيف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى