مصر تربح رهان السياحة الشتوية والفضل لأوروبا
تشهد المقاصد السياحية المصرية حالة من الانتعاش في ظل تقارير عن ارتفاع نسب الإشغال في الفنادق بمنتجعات البحر الأحمر ومدينة الأقصر، جنوب البلاد، إلى ما بين 80 و100 في المئة، مما دفع إلى التفاؤل بموسم سياحي شتوي ناجح قد يسهم في جهود توفير العملة الصعبة للاقتصاد المصري المتعثر.
وأدت أزمة الطاقة في الدول الأوروبية إلى توجه أنظار كثير من الأوروبيين إلى دول أكثر دفئاً، منها مصر التي تمتاز بطقس مشمس في هذا الوقت من العام، كما أن رفع قيود السفر في الصين فتح المجال لعودة السائح الصيني الذي كان في المرتبة الرابعة بين القادمين إلى مصر في عام 2019.
وفي بريطانيا التي كانت حتى وقت قريب المصدر الأول للسياح القادمين لمصر، أدت قيود مدد السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي بعد “بريكست” إلى توجه البريطانيين الذين اعتادوا قضاء شتاءً أكثر دفئاً في منتجعات إسبانيا إلى المدن الساحلية المصرية، بخاصة على البحر الأحمر، مثل الغردقة ومرسى علم، وفق ما ذكرته صحف بريطانية.
الأقصر تتصدر
قال المتخصص في الشأن السياحي عمرو صدقي إنه ليس هناك أرقام محددة عن التدفقات السياحية إلى مصر خلال الموسم الشتوي حتى الآن، لكن المؤشرات العامة تشير إلى أنه سيكون “موسماً جيداً”، بخاصة في مدن الأقصر وأسوان ومرسى علم والغردقة، التي تسجل نسب إشغال حالياً أفضل من شرم الشيخ.
صدقي، الذي شغل سابقاً رئاسة لجنة السياحة والطيران بمجلس النواب، قال لـ”اندبندنت عربية” إن إنهاء قيود السفر من الصين “تعد فرصة لاستقطاب السائح الصيني”، بخاصة أنه يتميز بقضائه أوقاتاً أطول من غيره من السياح، ويفضل زيارة عديد من المدن، نظراً إلى قدومه من بلد بعيد، مثل السائح الياباني.
وأشار صدقي إلى أن الفيصل في كيفية استثمار فرصة عودة الصينيين إلى سوق السياحة العالمية هو وسائل النقل، حيث يجب على المسؤولين المصريين بحث ما إذا كانوا سيعتمدون على الطيران العارض “الشارتر” أم سيتم تسيير خطوط طيران مصرية أو الاعتماد على شركات الطيران الصينية، وكذلك على البرامج المقدمة للسياح في الصين.
موسم متميز
وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أطلقت وزارة السياحة والآثار المصرية حملة ترويجية لمدة ستة أسابيع للترويج للمقصد السياحي المصري خلال الموسم السياحي الشتوي 2022 – 2023 في عدة دول منها فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
ووصف رئيس لجنة تسويق السياحة الثقافية في الأقصر (جنوب البلاد) محمد عثمان الموسم السياحي الحالي بـ”المتميز”، حيث توقع أن تتخطى أرقام تدفق السياح في مصر معدلات عام 2019، وهو 12 مليون سائح بنهاية العام الحالي، وكذلك أعرب عن أمله في أن تصل الأعداد بنهاية العام إلى 14 مليون سائح.
وأوضح عثمان لـ”اندبندنت عربية” أن معدل إنفاق السائح ارتفع أخيراً إلى 120 دولاراً، بدلاً من 80 دولاراً، مؤكداً أن تراجع نسب السياح الإنجليز “لم يؤثر” في السوق السياحية بفضل الأعداد الكبيرة القادمة من إسبانيا، حيث تصل نحو 12 طائرة أسبوعياً إلى الأقصر تقل سياحاً إسبانيين، إضافة إلى عودة السياحة الإيطالية التي كانت غائبة منذ نحو ثمانية أعوام، ووجود بعض التدفق السياحي من الهند وكوريا الجنوبية.
كذلك، لفت عثمان إلى مؤشرات عن بدء عودة السياح الصينيين بعد إلغاء قيود السفر الحكومية، وكذلك التعقيدات المفروضة من الدول الأوروبية على دخول المواطنين الصينيين.
ووفق تصريحات سابقة لدبلوماسي صيني، فقد زار مصر عام 2018 نصف مليون سائح صيني، واعتبر الصين في العام التالي المصدر الرابع للسياح القادمين إلى مصر.
أسر أوروبية
وأكد عثمان أنه بعد أزمة الطاقة في أوروبا جرى إطلاق مبادرة بعنوان “follow the sun” من جانب وزارة السياحة لجذب الأسر الأوروبية للإقامة في الأقصر، وحالياً هناك 175 أسرة أوروبية يسكنون بمنازل وليس فنادق في الأقصر، وهناك مؤشرات إلى أن العدد سيزداد إلى 560 أسرة. وتابع أن الفترة المقبلة ستشهد مزيداً من الفعاليات الثقافية والمؤتمرات، مثل خمسة عروض مقدمة لإقامة عروض أزياء في معابد الأقصر قريباً.
وعن العائد المتوقع من السياحة في هذا العام توقع عثمان أن تحقق مصر 17 مليار دولار ارتفاعاً من 14 مليار دولار في 2019.
وزار مصر في عام 2019 أكثر من 13.1 مليون سائح، وحققوا عائدات قدرت بـ13.03 مليار دولار، لكن السياحة تضررت في العام التالي بفعل جائحة كورونا. وبلغ عدد السياح ثمانية ملايين سائح في 2021، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
السياحة الثقافية
حاولت “اندبندنت عربية” الحصول على أرقام الحجوزات السياحية المسجلة حتى الآن أو المؤشرات المنتظرة لأعداد السياح خلال الموسم السياحي الشتوي، لكن المتحدثة باسم وزارة السياحة والآثار المصرية سها بهجت قالت إن تلك المعلومات غير متوفرة، وأحالتنا إلى رئيس هيئة تنشيط السياحة عمرو القاضي الذي لم يرد على عديد من محاولات الاتصال.
كذلك، قال رئيس غرفة المنشآت الفندقية علاء عاقل إن السياحة الثقافية تتصدر الحجوزات لدى السياح الوافدين للمقصد المصري خلال الموسم الشتوي الحالي في كل من الأقصر وأسوان والقاهرة، مشيراً إلى أنه لا يمكن الإعلان حالياً عن أرقام الحجوزات أو عدد السياح.
وأضاف عاقل لـ”اندبندنت عربية” أن الموسم السياحي الشتوي الحالي يمكن وصفه بـ”الجيد جداً”، بخاصة بالنسبة للسياحة الثقافية وفي القاهرة. وأشار إلى أنه في الفترة الماضية قامت وزارة السياحة بعديد من الحملات التسويقية الجيدة في أكثر من سوق سياحية.
السعي وراء الدولار
وتسهم السياحة، وهي مصدر رئيس للنقد الأجنبي، بما يصل إلى 15 في المئة من الناتج الاقتصادي لمصر. وتسعى مصر إلى زيادة عائدات السياحة خلال ثلاث سنوات، لتصل إلى 30 مليار دولار، وفق تقرير حكومي، في مقابل عائدات قدرت بـ13 مليار دولار عام 2021، بحسب تصريح سابق لنائبة وزير السياحة والآثار، فيما قدر البنك المركزي المصري العائدات خلال العام نفسه بـ10.7 مليار دولار.
وكان أكبر عدد للسياح سجلته مصر هو 14.7 مليون سائح عام 2010 بعائد 12.5 مليار دولار، لكن ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، وما تبعها من أحداث، أدخلت القطاع السياحي في سلسلة من الخسائر لا يزال يحاول الاستفاقة منها. وأعقب ذلك أزمة أخرى عقب حادثة سقوط طائرة روسية عام 2015، وما تبعه من وقف الطيران الروسي لمصر، وخلال العام الحالي شهد القطاع تضرراً من الحرب الروسية – الأوكرانية، إذ مثل البلدان مصدراً لـ31 في المئة من السياح خلال النصف الثاني من العام الماضي، وتعتمد المنتجعات في جنوب سيناء والبحر الأحمر على السياح من الدولتين بشكل خاص.
وأكدت الحكومة المصرية في تقارير رسمية أن القطاع السياحي تأثر بشدة نتيجة تراجع أعداد السياح الروس والأوكرانيين منذ الحرب التي نشبت في الـ24 من فبراير (شباط) 2022.
وذكر تقرير لرئاسة مجلس الوزراء قبل نحو شهرين أن الدولة تعمل على زيادة إيرادات السياحة من خلال خطوات عدة، أبرزها زيادة الاستثمارات الخاصة، وحل المعوقات والتحديات التي تواجه القطاع الخاص.
وأضاف التقرير أن مصر تستهدف مضاعفة عدد رحلات الطيران ثلاث مرات حتى عام 2028، وتعزيز سياحة اليخوت.
وتعمل وزارة السياحة المصرية على التعاقد مع شركة دولية كبرى لإطلاق الحملة الدولية الجديدة للتسويق السياحي لمصر في 10 أسواق سياحية، والتعاقد مع شركة علاقات عامة لتعزيز الصورة الذهنية عن مصر في الخارج عبر 11 سوقاً سياحية دولية، إضافة إلى تكثيف جهود الوزارة في الترويج للمقاصد السياحية والأثرية المصرية في عدد من دول العالم بهدف فتح أسواق جديدة للسياحة المصرية.
وتركز الحكومة المصرية على خطة زيادة أعداد السياح خلال السنوات الثلاث المقبلة بهدف مواجهة أزمة النقد الأجنبي الذي تعاني مصر نقصاً حاداً فيه، إذ تراجع احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري خلال نوفمبر الماضي بنسبة 18 في المئة على أساس سنوي، ودفعت الصعوبات المالية والاقتصادية الحكومة إلى خفض قيمة الجنيه المصري أكثر من مرة منذ مارس (آذار) 2022.
وكان موقع “Desert News” الأميركي قد صنف مصر من بين أفضل خمس وجهات على مستوى العالم ستشهد إقبالاً من السياح خلال العام الحالي، استناداً لعوامل الجذب التي تملكها، التي تشمل الرحلات الشتوية والمتاحف وغيرها من المعالم ذات القدرات العالية على الجذب السياحي.