ما هو مفهوم البطالة؟ وما أسبابها؟
وظاهرة البطالة في أسواق العمل العربية من أبرز التحديات التي تواجه هذه الاقتصاديات؛ لما لها من تأثير في المستوى المعيشي ليس للعاطلين عن العمل فقط، بل لأسرهم أيضًا، وترتبط البطالة -بشكل كبير- بظاهرة اقتصادية واجتماعية وإنسانية أخرى هي ظاهرة الفقر، ويعود ذلك إلى أن البطالة من أهم أسباب انخفاض الإنتاجية، كما أنها لا تعني حرمان العاطلين عن العمل من مصادر الدخل الضرورية لمعيشتهم فحسب، بل من حقوقهم الإنسانية الأساسية المتمثلة في الحصول على العمل المناسب لقدراتهم الشخصية وإمكانياتهم الجسدية والذهنية.
كذلك تشكل البطالة إهدارًا للموارد التي تم استثمارها في إعداد الإنسان وتربيته وتعليمه وتدريبه وتأهيله بهدف دخول سوق العمل، ونتيجة لتفشي هذه المشكلة سعت الحكومات إلى مواجهتها بشتى السبل ومن خلال خططها التنموية والتشريعات، إلا أن النتائج لم تكن بالمستوى المطلوب ومرجع ذلك إلى أن نجاح السياسات الحكومية في مواجهة البطالة وإصلاح الاختلال الحاصل في سوق العمل له مقومات وشروط يجب توفرها؛ حتى تؤتي هذه السياسات والخطط والتشريعات أُكلها. وفي ضوء ذلك كان لا بد للقطاع الخاص أن يضاعف الدور الذي يؤديه لمواجهة مشكلة البطالة جنبًا إلى جنب الحكومات.
وقبل أن نشرع فى بيان دور القطاع الخاص ورواد الأعمال في حل مشكلة البطالة يجدر بنا أولًا تحليل وتوضيح هذه المشكلة؛ من حيث مفهومها وأسبابها وأنواعها والآثار المترتبة عليها؛ حتى إذا اتضحت وعُرفت أسبابها أدركنا كيفية الحل.
مفهوم البطالة
يعبر المفهوم الاقتصادي للبطالة عن عدم قدرة الاقتصاد؛ بما فيه من منشآت ومؤسسات عامة وخاصة، على توفير فرص العمل الكافية لاستيعاب من هم في سن العمل وقادرون عليه ويبحثون عنه ولا يحصلون عليه (العاطلين عن العمل) ويعرّف العاطلون عن العمل بأنهم جميع الأشخاص فوق سن العمل، ممن لا يعملون بالأجر أو لا يعملون لحسابهم الخاص، ومستعدون وجاهزون للعمل بأجر أو لحسابهم الخاص، واتخذوا خطوات محددة بحثًا عن العمل بأجر أو لحسابهم الخاص ولكنهم لم يجدوا أى عمل.
ويحسب معدل البطالة بقسمة عدد العاطلين عن العمل إلى مجموع قوة العمل والتي تتكون من مجموع العاطلين عن العمل والعاملين .
أسباب البطالة
البطالة إحدى أهم المشكلات التى تواجه معظم دول العالم والتي تهدد مستوى الاستقرار الاقتصادي وتماسك المجتمعات، ويعود ارتفاع معدلاتها إلى أسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية، كما يمكن أن يرجع انتشار ظاهرة البطالة لأسباب داخلية وأخرى خارجية في كثير من الأحيان، وقد تختلف أسبابها من بلد إلى آخر، وذلك وفقًا للهيكل الاقتصادي والتركيب السكاني في كل بلد.
وتختلف أسباب البطالة في بعض الأحيان من منطقة إلى منطقة أخرى داخل البلد الواحد. وفيما يلى نوضح أسباب البطالة:
- ارتفاع معدل النمو السكاني بمعدلات تجعل من الصعب على القطاعات الاقتصادية استيعاب الأعداد الهائلة من قوة العمل.
- إخفاق خطط التنمية الاقتصادية المتعاقبة في إيجاد آلية حقيقية لرفع معدلات التشغيل.
- ارتفاع معدل نمو قوة العمل مقارنة بمعدل نمو الناتج القومي.
- غياب التخطيط الاقتصادي الممنهج وعدم وجود تطابق بين متطلبات سوق العمل ومخرجات قطاع التعليم.
- تطبيق سياسات الانفتاح الاقتصادي وما صاحبها من تطبيق لبرامج الخصخصة التي أدت إلى التخلي عن أعداد كبيرة من العاملين.
- إخفاق معظم برامج الإصلاح الاقتصادي في إحداث نمو اقتصادي حقيقي يزيد من القدرة على استحداث المزيد من فرص العمل ولفترات زمنية طويلة.
- التوزيع غير الأمثل للموارد المحلية.
- عدم إقبال الشباب على العمل المهني والأعمال الحرة (خاصة في الدول العربية).
- نقص الاستثمارات الموجهة للتنمية الاقتصادية.
- تراجع الدور الحكومي بسبب انتشار البطالة المقنعة والترهل الإداري وزيادة العبء على الموازنة العامة للدولة.
- التطورات والعلاقات السياسية بين الدول المصدرة للقوة العاملة والمستوردة.
- عدم توفر مقومات نجاح السياسات الحكومية المالية والنقدية.
- انخفاض التوجه إلى المشروعات الخاصة الصغيرة ومتناهية الصغر.
- تدني مستوى الروح الريادية وحب المبادرة بين الأفراد، وغياب الأفكار التي تزيد من فرص العمل.
- انتشار ثقافة العيب عند الأفراد.
- انتشار ظاهرة البطالة الموسمية.
- ضعف قواعد البيانات والمعلومات حول الباحثين عن عمل.
ويلاحظ أن الكثير من أسباب البطالة يرجع -خاصة فى الدول النامية- إلى ضعف الروح الريادية وانخفاص الإقبال على العمل الخاص ومستوى الإبداع والابتكار، والبحث عن العمل بأجر ثابت.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن معرفة أسباب البطالة تؤدي إلى إدراك نوعية الإجراءات المتبعة للحد منها، وكذلك توزيع المهام والمسؤوليات بين كل من الحكومة والقطاع الخاص وقطاع الأسر (الأفراد)، فالمسؤولية لا تقع على طرف دون الآخر، بل يكملان بعضهما البعض. لكن لوضع الحلول واختيار الآليات اللازمة لمواجهة مشكلة البطالة لا بد من التعرف على أنواعها، فالآليات والمسؤولية تختلف تبعًا لنوع البطالة السائد.
تختلف معدلات وأنواع البطالة في الدول النامية مقارنة بالدول المتقدمة، وأغلب تلك الأنواع توجد بالدول النامية ومنها الدول العربية، وكما عرفنا أسبابها يجب معرفة أنواعها لوضع الحلول المناسبة لكل نوع، وفيما يلي نستعرض أهم أنواع البطالة:
1- الاحتكاكية: وهي بطالة مؤقتة قصيرة المدى تنتج عن تغيير مكان العمل أو نوع الوظيفة. فقد يترك العامل عمله لينتقل إلى وظيفة أخرى، أو يترك العمل في منطقة لينتقل إلى منطقة أخرى. وتحدث كذلك عندما يبحث الخريجون الجدد عن عمل، أو عندما تقرر ربات البيوت دخول سوق العمل بعد انقطاع، أيضًا تحدث بسبب نقص المعلومات لدى كل من الباحثين عن فرص العمل وأصحاب الأعمال، وافتقار بعض العمال إلى المهارة والخبرة اللازمتين لتأدية العمل المتاح، أو صعوبة التكيف الوظيفي الناشئ عن تقسيم العمل والتخصص الدقيق؛ أو التغير المستمر في بيئة الأعمال والمهن المختلفة، الأمر الذي يتطلب اكتساب مهارات متنوعة ومتجددة باستمرار.
2- الهيكلية: تعرّف بأنها البطالة التي تنشأ بسبب الاختلاف بين هيكل توزيع قوة العمل وهيكل الطلب عليها، وتعرّف كذلك بأنها البطالة الناتجة عن خلل أو تغير في هيكل الاقتصاد بحيث لا ترافقه تغيرات في هيكل سوق العمل. بمعنى آخر: ينشأ هذا النوع من البطالة نتيجة للتحولات الاقتصادية التي تحدث من حين لآخر في هيكل الاقتصاد مثل: اكتشاف موارد جديدة أو استخدام وسائل إنتاج أكثر كفاءة، أو ظهور سلع جديدة أو التحول من قطاع إلى آخر، كالابتعاد عن الزراعة والتوجه للقطاعات الخدمية. وقد تكون البطالة الهيكلية بطالة جزئية؛ بمعنى أنها تقتصر على قطاع إنتاجي أو صناعي معين، وقد يقترن ظهورها باستخدام تقنيات الإنتاج التي تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة بدلًا من الأيدي العاملة؛ ما يؤدي إلى الاستغناء عن عدد كبير من العمال، كما أنها تحدث بسبب وقوع تغيرات في قوة العمل، مثلًا: دخول الشباب إلى سوق العمل بأعداد كبيرة.
3- الدورية: ينشأ هذا النوع نتيجة لتذبذبات الدورة الاقتصادية بين الانتعاش والانكماش، وقد يفسر ظهورها بعدم قدرة الطلب الكلي على استيعاب أو شراء الإنتاج المتاح؛ ما يؤدي إلى ظهور الفجوات، ففي فترات الركود الاقتصادي وانخفاض الإنتاج ينخفض التوظيف وترتفع معدلات البطالة، والعكس صحيح في أوقات الرواج والانتعاش.
4– الموسمية: هي البطالة التي تصيب فئة معينة من الأيدي العاملة في قطاع معين؛ نتيجة موسمية عملية الإنتاج أو دورة الإنتاج في هذا القطاع. فعلى سبيل المثال: نرى أن العاملين في القطاع الزراعي أو السياحي أو البناء (جمع البرتقال أو صناعة المثلجات في الصيف مثلًا) يضطرون للبقاء بدون عمل لفترة معينة بعد انتهاء الموسم حتى يأتي موسم جديد، وقد يخلط البعض بينها وبين البطالة الدورية التي تنتج عن الدورة الاقتصادية.
5– الاختيارية: تكون ناتجة عن سلوك العامل عندما لا يقبل العمل على الرغم من توفره، وتظهر كذلك عندما ينسحب شخص من عمله بمحض إرادته لأسباب مثل: ثقافة العيب أو عدم وجود الرضا الوظيفي، وهذا النوع من البطالة لا يمثل مشكلة على مستوى الاقتصاد أو المجتمع، فالعمل موجود ولكن العامل لا يريد العمل وهو لن يرفضه إلا إذا كان لديه من الموارد ما يكفي احتياجاته.
6– المقنعة: وتعني العمل بأقل من الطاقة الإنتاجية الحقيقية، وعندها يكون الأجر أعلى من قيمة الإنتاج الحدّي للعامل، وتحدث غالبًا في القطاع الحكومي؛ حيث تعمل الحكومة على تشغيل عدد كبير من العمال لأداء مهام تحتاج إلى عدد أقل من الموجود بكثير، ومما ساهم في تفشي ظاهرة البطالة المقنعة في أروقة الأجهزة والمؤسسات الحكومية والعامة الأساليب غير الصحيحة التي تعتمد على زيادة التوظيف في المؤسسات الحكومة؛ما أثر سلبًا في أداء هذه المؤسسات وكفاءتها، ويرافق هذا النوع من البطالة وجود حالات من الترهل الإداري وزيادة في العبء المالي على الحكومة، وينتشر هذا النوع في كثير من الدول النامية.
7– المستوردة: وهي البطالة التي يكون مصدرها خارجي؛ أي من خارج الاقتصاد، وقد تعرّف بأنها البطالة الناتجة عن إحلال العمالة غير المحلية محل جزء من قوة العمل المحلية في قطاع معين، وقد يواجه الاقتصاد هذا النوع من البطالة حال انخفاض الطلب على سلعة معينة مقابل ارتفاع الطلب على سلعة مستوردة، وقد تحدث كذلك نتيجة لتطورات اقتصادية أو سياسية خارجية مثل: الحروب التي تعاني منها بعض الدول المجاورة أو الحصار الذي تفرضه قوى دولية، أو نتيجة توقف المساعدات والمنح الخارجية الموجهة للتشغيل أو أي تقلبات أخرى خارجية.
وقد ينشأ هذا النوع من البطالة بسبب توقيع دولة ما اتفاقيات تعاون مع دول أخرى؛ بحيث تسمح الدولة بدخول بعض الأيدي العاملة الوافدة بأجر أقل لتحل محل العمالة المحلية. فعلى سبيل المثال: أدت الأزمة العالمية إلى التخلي عن أعداد هائلة من الأيدي العاملة؛ ما تسبب في ارتفاع معدلات البطالة بالكثير من الدول.
8- الطبيعية: هي البطالة التي يشهدها الاقتصاد على الرغم من الوصول إلى حالة التشغيل الكامل، وتشمل كلًا من البطالة الهيكلية والبطالة الاحتكاكية، وعندما يبتعد الاقتصاد عن حالة التوظيف الكامل فإن معدل البطالة السائد يكون أكبر أو أقل من معدل البطالة الطبيعي. ففي مرحلة الانتعاش يكون معدل البطالة السائد أقل من معدل البطالة الطبيعي، أما في الانكماش فإن معدل البطالة السائد يكون أكبر من معدل البطالة الطبيعي، وعندها تظهر البطالة الدورية.
9- شبه البطالة: وهي الحالة التي تحدث عندما يعمل البعض في وظائف بدوام جزئي على الرغم من أنهم يبحثون عن العمل بدوام كامل ولا يجدونه.
لكن كيف يمكن لريادة الاعمال أن تكون حلًا للبطالة؟، هذا ما سنكشفه في المقال المقبل.