الاقتصاد المصرى 2023 مرحلة استقرار نسبى فى الدولار
وخلال عام 2022 نشأت أزمة الأسعار العالمية والتى غذتها الحرب الأوكرانية الروسية وترتب عليها أزمة الحبوب والطاقة والغاز فى سلاسل الإمداد الدولية بشكل عمق من مشكلة التضخم، فارتفعت مستويات الأسعار إلى معدلات غير مسبوقة فى معظم دول العالم، وبطبيعة الحال وبالنظر لأن الاقتصاد المصرى يعتمد بشكل كبير على الخارج فى الحصول على نسب يعتد بها من احتياجاته من المواد الغذائية والمواد الخام ومستلزمات الإنتاج والسلع الرأسمالية فقد امتد تأثير هذا على الاقتصاد الوطنى.
وأسهمت الأزمات العالمية فى مشاكل عدة واجهت الاقتصاد المصرى فحاولت الحكومة التعامل معها بقرارات يتعلق معظمها بالسياسات النقدية والقليل منها بالسياسة المالية، فكان قرار تعويم الجنيه للمرة الثانية، وكانت قرارات رفع أسعار الفائدة لمرات عدة بلغت فى مجموعها 8% لمواجهة التضخم.
ولا يجب أن نغفل الجوانب الإيجابية فى الاقتصاد المصرى خلال عام 2022 والمتمثلة فى تنفيذ مشروعاتها التنموية العملاقة بدون توقف رغم الظروف الاقتصادية غير المواتية، بجانب قدرتها على تنظيم واحد من أهم الأحداث خلال عام 2022 وهو COP27 فى شرم الشيخ، وبنفس النهج نرسم صورة لآفاق الاقتصاد المصرى خلال العام المقبل 2023.
وفى ضوء العرض السابق يمكن رسم صورة للاقتصاد وصياغة توقعات بشأن مسار مؤشراته من جانب خبراء الاقتصاد. وقال الخبير الاقتصادى الدكتور عاطف وليم أندراوس، إنه فى ظل استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية واضطرابات سلاسل التوريد الدولية وارتفاع أسعار النقل والطاقة، من المتوقع أن يستمر الارتفاع فى مستويات الأسعار خلال عام 2023، غير أن مدى الارتفاع سيظل مرهونًا بوضعية الجنيه أمام العملات الأجنبية الأخرى وعلى رأسها الدولار، وعلى مدى فاعلية السياسات الحكومية فى التعامل مع التضخم، ونسجل هنا أن استمرار اعتماد السلطات النقدية على استراتيجية رفع سعر الفائدة للحد من التضخم لن يأتى بنتيجة طالما ظلت الأسباب المفسرة للتضخم ترتبط بجوانب التكاليف والعرض، فالتضخم الحالى فى مصر هو ظاهرة حقيقية أكثر من كونه ظاهرة نقدية تفسرها السيولة المفرطة.
وأضاف «أندراوس» أنه خلال النصف الأول من العام الجديد ربما تستمر معدلات التضخم فى الارتفاع وقد تصل إلى 25%، غير أنه لو تحسنت وضعية الجنيه المصرى وحدث توافق بين الأطراف الفاعلة فى الأزمة الأوكرانية ربما يبدأ معدل التضخم فى الانخفاض، ومن ثم تنخفض نسبة الزيادة فى المستوى العام للأسعار، ويمكن أن يعزز من ذلك الاتجاه الإجراءات الحكومية الصارمة لتنظيم الأسواق والحد من المغالاة فى هوامش الأسعار، والإفراج عن البضائع المعلقة فى الموانى، وبطبيعة الحال يبقى العنصر الأهم فى الأجل الطويل لتحديد الأسعار هو العمل على زيادة العرض الكلى من السلع والخدمات من خلال التطبيق الفاعل لبرنامج التعديل الهيكلى للاقتصاد الوطنى وتشجيع الصناعة وتوسيع رقعة القطاع الخاص فى الاستثمار الكلى.وأكد أنه خلال السنوات الأخيرة بدأ عجز الموازنة فى الانخفاض ليصل إلى نحو 6.1 % كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى، غير أن القيمة المطلقة للعجز الكلى تظل فى حالة تزايد مستمر، وتشير الحكومة دائمًا إلى نجاحها فى تحقيق فائض أولى وصل إلى 1.5% فى موازنة عام 2022 /2023، والفائض الأولى لمن لا يعلم هو الفرق بين الإيرادات العامة والنفقات العامة بدون احتساب مدفوعات فوائد القروض التى قدرت بنحو 690 مليار جنيه فى نفس الموازنة.
وتشير التوقعات إلى استمرار القيم المطلقة لكل من فوائد القروض وأقساط خدمتها والعجز الكلى فى الزيادة، ولكن مع تحقق توقعات بمعدل نمو اقتصادى 5.5 % فإن نسبة عجز الموازنة إلى الناتج المحلى الإجمالى بالأسعار الجارية قد تدور فى نفس حدود العام الحالى أو تختلف قليلًا.
ولفت إلى أنه مع إبرام الاتفاق مع صندوق النقد الدولى فى نهاية 2022 تزداد إمكانيات تنمية الموارد الدولارية بشكل يقلص من الفجوة التمويلية (قدرها الصندوق بنحو 16 مليار دولار على مدار أربع سنوات) بشكل كبير، ويساعد من ثم فى تخفيض الضغوط على الجنيه المصرى، ورغم أننى أتوقع مزيدا من التراجع فى الجنيه المصرى فى مواجهة الدولار إلا أن هامش التراجع لن يكون كبيرًا، ذلك أنه بجانب سد الفجوة التمويلية الجزئية، وإمكانية تلبية الطلب المحبط على الدولار، فإن قرارات البنك المركزى برفع أسعار الفائدة على الجنيه المصرى لمرات عديدة بلغت فى مجموعها 8% خلال عام 2022 سوف ترفع من تكلفة حيازة الدولار ومن ثم تزيد من حوافز تحويله للجنيه المصرى خصوصًا لو قررت البنوك المصرية إصدار شهادات بعوائد مرتفعة 20% أو 22% مثلا. ومن المتوقع أن تؤدى السياسات السابقة إلى زيادة الطلب على الجنيه المصرى ودعم قيمته فى مواجهة الدولار وغيره من العملات الأجنبية، كما أنه من المتوقع أيضا خلال العام المقبل، تراجع هامش الانخفاض فى قيمة الجنيه وقد يصل لمرحلة الاستقرار النسبى فى سعر الدولار مع تطبيق سياسة التعويم المدار وليس النظيف.
وأشار «أندراوس» إلى أن مصر تعول كثيرًا على الاستثمار الأجنبى المباشر فى سد فجوة الصرف الأجنبى، إلا أن قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة رغم ارتفاعها فى عام 2022 لم تزل أقل من المأمول ومن المتوقع أن تستمر الزيادة ولكن بشكل قد تقيده الظروف الاقتصادية الحالية وظروف عدم الاستقرار التى تشوب منطقة الشرق الأوسط.
من جانبه قال الدكتور ياسر شحاتة، أستاذ إدارة الموارد البشرية وخبير التنمية المستدامة، إن مصر شأنها شأن أى دولة فى العالم تواجه العديد من التحديات الاقتصادية، وتزايدت حدتها بعد الصراع العسكرى الروسى الأوكرانى، والذى أدى إلى نقص للإمدادات فى المواد الأساسية مثل النفط، والغاز، والقمح، وارتفاع أسعارها فى الأسواق العالمية، ومن منطلق أن التنمية الصناعية الشاملة هى الأساس المحرك فى زيادة معدل النمو ومن ثم رفع مستوى المعيشة، فقد اتجهت الدولة إلى التركيز على الصناعة.
وأضاف أنه من المتوقع خلال العام القادم 2023 زيادة معدل النمو، فقد أصبح الاقتصاد المصرى أكثر جذبا للاستثمارات الأجنبية نتيجة الدقة فى تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى، والذى نال العديد من الإشادات الدولية من مختلف المؤسسات ولا سيما مؤسسات التصنيف الدولية والتمويل.
ولفت إلى أنه من المتوقع انحسار التضخم خلال النصف الثانى من عام 2023، والوصول إلى المنطقة التى يستهدفها البنك المركزى، بالإضافة إلى الوصول بمعدل التضخم لمستويات أكثر استقرارًا، وذلك سوف يكون مدعومًا بتراجع حدة التوترات العالمية، تمشيا مع توقعات البنوك المركزية على مستوى العالم، مشيرًا إلى أن رفع أسعار الفائدة أحد أهم قرارات البنوك المركزية لمكافحة التضخم، وذلك عبر امتصاص السيولة.وأكد زيادة الإنتاج التصنيعى، والذى يعمل بدوره على الحد من ارتفاع الأسعار، وهذا ما تعمل عليه الدولة المصرية حاليا ومستقبلا، ومن منطلق أن الفقر هو العدو الأخطر لأى دولة، فقد حرصت الدولة على تفعيل آليات برامج الرعاية والحماية الاجتماعية، حيث خصصت بالـموازنة العامة لعام 22/2023 دعما قدره 302.2 مليار جنيه للحماية الاجتماعية مقابل مخصصات فعلية قدرها 251 مليار جنيه عام 20/2021، بنسبة زيادة 17.6%، وتم إدراج بعض المكونات التى تساعد على الارتقاء والزيادة فى مجهودات الحماية الاجتماعية، منها برنامج تنمية الأسرة الـمصرية لضبط النمو السكانى، فضلا عن مبادرة حياة كريمة لتنمية الريف الـمصرية، والتى تهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة للريف الـمصرى، وأخيرا برنامج تمكين الـمرأة لتعزيز حقوقها.
ونوه إلى أنه من منطلق أن البنية التحتية هى العمود الفقرى للتنمية المستدامة، تسعى الدولة المصرية للتوسع فى المشروعات القومية 22/23، فضلا عن مجهودات الدولة فى مجال التحول الرقمى والشمول المالى، والتكنولوجيا بشكل عام، تصل لـ 1.45 تريليون جنيه والاهتمام والتركيز بالقطاعات الخدمية الإنتاجية بالنسبة الأكبر لضخامة الموجه لمشروعات تطوير المرافق العامة، والإنفاق على الصحة والتعليم أولوية، هذه الجهود تشير التوسع فى المشروعات التنموية.