الاستثمار الجريء المبكر كلمة مرور تطوير منظومة ريادة الأعمال
رغم الجهود التي بذلت في سنوات سابقة من قبل الحكومة والجهات المعنية بريادة الأعمال في سبيل تذليل العقبات التي تواجه الشركات الناشئة، وخصوصا في مجال التمويل، إلا أن النفاذ إلى مصادر التمويل لا يزال أحد أبرز معيقات إنشاء واستدامة الشركات الريادية، وخصوصا التمويل في مرحلة ما قبل التأسيس بما يسمى بـ”رأس المال الجريء المبكر” و”المبكر جدا”.
ومع عمل حوالي 12 صندوقا استثماريا في المملكة اليوم توفر التمويل لشركات ناشئة في مراحل متنوعة من عمر هذه الشركات، إلا أن خبراء يؤكدون أنه يجب التركيز على توفير جهات وشبكات من المستثمرين معنية بتوفير التمويل لمرحلة ما قبل التأسيس ومرحلة الفكرة كونها تعد من أهم مراحل حياة الشركة لتعزز انطلاقتها وتجهيزها مستقبلا للتوسع ولجلب الاستثمارات اللاحقة.وأكدت رؤية التحديث الاقتصادي على أهمية ريادة الأعمال وقطاع الشركات الناشئة، وأهمية تطوير ودعم نمو وتوسع هذه النوعية من الشركات التي يمكن أن تسهم في النمو الاقتصادي مستقبلا، وشددت على أهمية دعم محور التمويل والاستثمار في هذا القطاع من خلال زيادة عدد الصناديق الاستثمارية أو صناديق رأس المال المخاطر والمتخصصة في الاستثمار بالشركات الناشئة بمختلف مراحلها.وأكد الرئيس التنفيذي للصندوق الأردني للريادة (ISSF) محمد المحتسب أن الصندوق يواصل عمله في دعم وتطوير بيئة ريادة الاعمال الاردنية ضمن مسار عمله الاستثماري المباشر وغير المباشر، ومسار تطوير البيئة الريادية والبرامج التي يقوم عليها الصندق الأردني للريادة في هذا المجال.وقال المحتسب إن الصندوق في مسار عمله الاستثماري المباشر وغير المباشر استثمر حتى منتصف العام الحالي في 24 شركة ناشئة و12 صندوقا استثماريا.وأوضح أن الاستثمار في الصناديق الاستثمارية هو استثمار “غير مباشر” بمعنى أن الصندوق لا يستثمر في الشركات الأردنية مباشرة، وإنما في صناديق استثمارية لتقوم هي بدورها بالاستثمار بالشركات الأردنية.وأكد أهمية هذا المسار لأنه يسهم في تطوير قطاع الصناديق الاستثمارية في السوق الاردني اضافة إلى جلب صناديق استثمارية خارجية إلى المملكة يستمر عملها إلى ما بعد انتهاء مدة عمل الصندوق الأردني للريادة، لافتا الى أن صناديق الاستثمار تغطي المراحل المختلفة للشركات الريادية، من مرحلة النمو المبكر إلى النمو الناضج.وأضاف المحتسب “لأننا حرصنا أن نولي اهتماماً بالشركات الناشئة في مختلف مراحلها، وألا تقتصر استثماراتنا على مرحلة واحدة من مراحل هذه الشركات، فقد عكَس استثمارنا في الصناديق هذا الحرص، إذ إن عددا من هذه الصناديق الاستثمارية يستثمر في مرحلة Seed وعدد منها في مرحلة early stage واخرى منها في مرحلة venture/growth stage”.
وبين المحتسب أن توفر التمويل والاستثمار قد تطور في منظومة ريادة الاعمال الاردنية بالمقارنة ما قبل عشر سنوات، مع تواجد هذا العدد من الصناديق الاستثمارية التي ساعد في تواجدها الصندوق الاردني للريادة، لكنه اكد باننا بحاجة اليوم ايا لتعزيز مفهوم شبكات المستثمرين في مرحلة الفكرة (Angel Network) ليسهموا بدعم الشركات والافكار المبتدئة لمساعدتها على الوصول إلى مراحل استثمارية لاحقة، كونها تعمل على تجهيز الريادي للمرحلة التي تليها.
وقال ان هذا النوع من التمويل متوافر في الاردن ولكنه قليل وغير منظم، لافتا بأن الصندوق مهتم بايجاد وتعزيز هذا النوع من شبكات التمويل.
واشار المحتسب الى ان المستثمر بشكل عام يبحث عن فكرة مربحة ومجدية اقتصاديا لذا ينبغي للريادي أن يبلغ النضج في الفهم الإداري وأن يدرك ويبني احتياجات الشركة بما يتطابق مع توقعات المستثمر.
والى جانب تواجد هذا العدد من الصناديق الاستثمارية التي اسهم الصندوق الاردني للريادة في انطلاقتها في السوق الاردني اكد وزير الاقتصاد الرقمي والريادة احمد الهناندة العمل مباشرة على إنشاء الصندوق الاستثماري الجديد (الاردني الاماراتي) الموجه لدعم الشركات الناشئة بعد أن تم إطلاقه قبل شهور قليلة بقيمة 100 مليون دولار، بالتعاون بين وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة وشركة “القابضة” (ADQ) الاستثمارية الإماراتية، بحسب وزير الاقتصاد الرقمي والريادة احمد الهناندة.
وأكد الهناندة أن الصندوق سيوجه استثماراته في الشركات الناشئة الأردنية، الشركات الناشئة عالية النمو في مجال التكنولوجيا، والشركات الرائدة في الابتكارات المتخصصة ضمن قطاعات تكنولوجيا المعلومات، والاتصالات، والخدمات المالية، إضافة إلى قطاعات التعليم، والأغذية والزراعة، والصحة وعلوم الحياة، والنقل والخدمات اللوجستية، وتكنولوجيا الطاقة النظيفة.
واشار الهناندة الى أهمية إطلاق الصندوق لدعم محور التمويل الذي ورد في السياسة العامة لريادة الأعمال والتي أقرت العام الماضي كأول سياسة تحكم عمل منظومة ريادة الأعمال الأردنية، كما يأتي إطلاقه انسجاما مع أهداف رؤية التحديث الاقتصادي التي أعلنت الأسبوع الماضي وتضمنت محاور ومبادرات تعنى بدعم الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة والتمويل والاستثمار في هذه المشاريع والشركات.
الحكومة أكدت في سياستها العامة لريادة الأعمال والتي أقرتها العام الماضي على حرصها لاتخاذ التدابير التي من شأنها تعزيز الوصول إلى مصادر التمويل خلال رحلة حياة الشركة الناشئة من مرحلة التأسيس وحتى مرحلة النمو وتمكين وتوسيع خيارات الصناديق والمسرعات القائمة وإعداد الخطط لتحفيز الشركات الريادية من تقديم مزايا ودعم إنشاء صناديق جديدة وتوفير مصادر متنوعة لتمويل ريادة الأعمال بما في ذلك تمكين الصناديق من استقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
وقال الخبير الاقتصادي المهندس موسى الساكت إن الأردن يتميز بمشاريع شبابه الريادية بتواجد عدد لا بأس به من هذه المشاريع، كما أنه ومن حيث عدد الرياديين المتميزين فإن الأردن يحتل مراتب متقدمة على المستوى العربي.
ويرى الساكت أن مستقبل الريادية في الأردن “مبشر جدا”، إلا أنه أكد أن الأهم في هذه المرحلة هو ما قبل الاستثمار في المشاريع من حيث دعم أفكار أصحاب الأفكار بحيث يستطيعون بدأ مشاريعهم لأن الخطوة الأولى بالنسبة لمن يرغب في إقامة مشاريع هو التوجه للبنوك التجارية بما سيترتب على ذلك فوائد عالية.
وفي هذا الخصوص دعا الساكت إلى ضرورة وجود بنوك تنموية لكل القطاعات بحيث يتوجه إليها الريادي الشاب بحيث تكون متخصصة بدعم هذه المشاريع وتقدم العون في دراستها وتقديم قروض بضمانات يستطيع الريادي تقديمها وتكون مبينة على نجاح المشروع، مشيرا إلى أن هذه المشاريع مجرد أن استطاعت إثبات نجاحها ستلقى العديد من المستثمرين الناجحين.
وقال الساكت إن المشايع الريادية يجب أن تكون متنوعة وفي قطاعات متعددة لا تنحصر في قطاعات معينة مثل تكنولوجيا المعلومات، إذ إن القطاعات الأخرى قد تكون كلف تمويلها أكثر من تلك المتخصصة بالتكنولوجيا.
وكانت رؤية التحديث أشارت إلى أن الأردن يُعرف بكونه علامة تجارية إقليمية قوية مشهودا لهـا فـي مجـال ريادة الأعمـال والإبـداع، لمـا يشتمل عليـه مـن إمكانات غير مستغلة، مـع قـاعـدة متينة من المواهب والموارد المؤهلة، لكنه على الرغـم مـن ذلـك يعانـي مـن استنزاف المواهب ونقـص بعض المهارات في المجالات المهمة.
ومن جانبه قال المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “ستارت آبز” المتخصصة في حلول التحول الرقمي محمد الخواجا أن منظومة ريادة الأعمال في الأردن شهدت خلال العقدين الماضيين العديد من الخطوات الإيجابية التي جعلت من بيئة الريادة في الأردن بيئة خصبة لنشأة الشركات ونموها، ولا سيما في قطاع التقنية والقطاعات المتحولة رقميا مثل: التعليم الإلكتروني، الخدمات الصحية الرقمية والخدمات اللوجستية وغيرها من القطاعات المعتمدة عليها.
ورغم ما شهدته منظومة ريادة الاعمال الاردنية من تطورات متلاحقة خلال السنوات الفائتة الى ان الخواجا أكد أن هناك العديد من تحديات وفرص التمويل في قطاع ريادة الاعمال المحلي.
وقال: “إن رأس المال الجريء المبكر (ويسمى البذرة seed funding ـ 100 – 500 ألف دولار) والمبكر جدا (ويسمى ما قبل البذرة pre-seed funding أقل من 100 ألف دولار) ما يزال تحديا للشركات الناشئة لا يمكن تجاهله”.
وأشار إلى الخطوات التي قامت بها مؤسسات وطنية منها وزارة الريادة والاقتصاد الرقمي والصندوق الوطني للريادة لردم هذه الفجوة من خلال عدة برامج واعدة”، لكنه اكد على ان الفجوة ما تزال مستمرة باستمرار إقبال الشباب على تأسيس الشركات وانحسار الوظائف وتقبل المجتمع للعمل الحر وهو ما يرى فيه ” أمر مفيد على الأمد البعيد”.
وأكد أهمية التمويل الشخصي من المستثمرين الملائكيين (Angel investors) لتوفير التمويل الشخصي المبكر للشركات والأفكار الناشئة، مشيرا إلى أن هذا النوع من التمويل هو غاية في الأهمية كخطوة أولى في مشوار الريادة للشركة الواعدة، خاصة أن استثمارهم لا يقف عند التمويل المادي بل يتجاوز ذلك إلى توفير الخبرات والتشبيك وفرص تطوير الأعمال من قبل المستثمر الملاك.
وقال الخواجا إن العديد من الجهات تسهم اليوم في تنظيم نشاط المستثمرين الأفراد للمال الجريء في شبكات يجتمع أعضاؤها بشكل دوري للقاء الشركات الواعدة والاستثمار معها بشكل تشاركي وفعال، بحيث يتشارك أكثر من مستثمر في تمويل ذات الفرصة الاستثمارية. ولكنه قال انه ليس هناك أي شبكة مستثمرين جريئين فاعلة في الأردن في الوقت الراهن.
وشدد على أهمية خلق نظام بيئي مستدام في الأردن، ووجود مجموعة مؤهلة من الشركات الناشئة القادرة على التقدم خلال مراحل التمويل بسهولة أكبر، عبر تقوية شبكة علاقات المستثمرين الأفراد (Angel Network) في الأردن والمنطقة العربية، وإنشاء مجموعة أكبر من الشركات الناشئة المؤهلة للنظام البيئي الاقتصادي ككل.